جواهر القران لأبي حامد الغزالي

 كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي

الاثنين، 26 يوليو 2021

مواعظ بر الوالدين لابن الحوزي 1. الوالد 2. الوالدة

 

مواعظ بر الوالدين لابن الحوزي 

بر الأب 

حديثنا اليوم عن أوسط أبواب الجَنَّة، خير الأبواب وأعلاها، وأحسَن ما يتوسَّل به إلى دخول الجَنَّة، والوصول إلى درجتها العالية، بابٍ يغفل عنه كثيرون، ويهتمُّون بإحدى دفَّتي الباب، وينسَون الأخرى. وإنَّ من المعلوم - أيها النُّبلاء – أنَّ ردَّ المعروف، والوفاء للجميل، مما استقرَّت الفِطَرُ السليمة على استِحسانه، وتتابعَت العقول السَّويَّة على استِعظامه، وأعظَم الإحسانِ بين الخلْق – بعد إحسان الأنبياء إلى أقوامهم – هو إحسانُ الآباء إلى أبنائهم، إذْ كلُّ إحسانٍ بعد ذلك، إنما يكُون دون هذا الإحسان، وكل معروف بعد هذا هو دون معروف الوالد.

إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضةٌ ♦♦♦ واللؤمُ مقرونٌ بذي الإخلافِ

 

عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه؛ أنَّ رجلًا أتاه فقال: إنَّ لي امرأةً، وإنَّ أمِّي تأمرني بطلاقها، قال أبو الدرداء: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الوالدُ أوسطُ أبواب الجَنَّة))، فإنْ شئتَ فأضِعْ ذلك الباب أو احفظْه. اللهم ارحمْ والدِينا كما ربَّونا صغارًا. أيها المؤمنون! المعروف يُنسَى مع تقادُم الزمن، والجميل يُطوَى حين تقدُّم العمر، وغالب إحسان الناس إلينا يتناقص يومًا بعد يوم، سِوى مَن إحسانُه إليك مبنيٌّ على الحبِّ والرحمة، لا على الحاجة والمصلحة، ولا يكون ذلك إلا في قلب أبيك وأمِّك.

 

إنَّ برَّ الأبِ ليس قُبلة تضعُها على جبينه أو يده، أو دراهم تضعُها في جيبه، أو هدية تُدخل بها السرور عليه، وإنْ كان كلُّ ما سبق مِن البِرِّ، لكن بعض الأبناء يختزل البِرَّ في تلك الصوَر، إنَّ البرَّ هو رُوح وحياة تبعثُها في كل عمل تقدِّمه لوالدك، فإنْ أعطيتَه مالًا أظهرتَ أنك ما كنتَ لِتحصل عليه لولا الله ثم بسببه، وإنْ دفعتَ عنه أذًى أبَنْتَ أنه قد دفع عنك مِن الأذى أضعافه، وإنْ جلبتَ له خيرًا أقررتَ أنه قد سبقكَ وقدَّم لك أعلى منه وأعظمَ. وكأنَّ لسان حالك يقول: يا والدي وسيِّدي! قد قدَّمتَ أكثر مما عليك، وبقي ما هو لك، و﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ[الرحمن: 60].

 

أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الأبناء برعاية حق أصحاب الآباء، فكيف بحق الآباء أنفسهم، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ أبرَّ البرِّ؛ أنْ يصل الرجلُ أهلَ وُدِّ أبيه)). قال النوويُّ: وفي هذا فضلُ صلة أصدقاء الأب، والإحسان إليهم بإكرامهم، وهو متضمِّن لبرِّ الأب وإكرامه؛ لكونه بسببه. اهـ. وإذا كان إحداد النظر إلى الوالد معدودًا عند بعض السَّلف مِن العقوق، فما بالك بما هو دونه؟! عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: (مَا بَرَّ وَالِدَهُ مَنْ شَدَّ الطَّرْفَ إِلَيْهِ).

 

أيها المؤمنون! ليس ثمة صورة أَمْثَل على برِّ الابن بأبيه مِن صورة الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين خاطبَ والدَه الكافرَ المعاندَ الذي يريد أن يقتله، واستمِع للخليل حين يكلِّم أباه في صورة هي غاية الأدب مع الوالد؛ إذ يقول الله تعالى حاكيا ما وقع ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا[مريم: 41، 42]، لَقَدْ سَلَكَ عَلَيْهِ السَّلامُ في دَعْوَتِهِ أحْسَنَ مِنهاجٍ، وأقْوَمَ سَبِيلٍ. واحْتَجَّ عَلَيْهِ أبْدَعَ احْتِجاجٍ بِحُسْنِ أدَبٍ وخُلُقٍ جَمِيلٍ. لِئَلّا يَرْكَبَ مَتْنَ المُكابَرَةِ والعِنادِ. حَيْثُ طَلَبَ مِنهُ عِلَّةَ عِبادَتِهِ لِما يَسْتَخِفُّ بِهِ عَقْلُ كُلِّ عاقِلٍ، ثم يُعقب ذلك بقوله ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا[مريم: 43] وهنا ثنَّى عَلَيْهِ السَّلامُ بِدَعْوَة أبيه إلى الحَقِّ مُتَرَفِّقًا بِهِ مُتَلَطِّفًا. فَلَمْ يَصِف أباهُ بِالجَهْلِ المُفْرِطِ مع كونه كافرًا، ولا وَصَفَ نَفْسَهُ بِالعِلْمِ الفائِقِ مع كونه نبيًّا. ولَكِنَّهُ قالَ: إنَّ مَعِي طائِفَةً مِنَ العِلْمِ وشَيْئًا مِنهُ لَيْسَ مَعَكَ. ثم يقول: ﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا[مريم: 44، 45]، وهنا أَنذَره عَلَيْهِ السَّلامُ بِتَخْوِيفِهِ سُوءَ العاقِبَةِ، وبِما يَجُرُّهُ ما هو فِيهِ مِنَ التَّبِعَةِ والوَبالِ. ولَمْ يَخْلُ ذَلِكَ مِن حُسْنِ الأدَبِ، حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأنَّ العَذابَ لاصِقٌ بِهِ، ولَكِنَّهُ قالَ: ﴿ أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ ﴾، فَذَكَرَ الخَوْفَ والمَسَّ ونَكَّرَ العَذابَ. وجَعَلَ وِلايَةَ الشَّيْطانِ ودُخُولَهُ في جُمْلَةِ أشْياعِهِ وأوْلِيائِهِ، أكْبَرَ مِنَ العَذابِ. وصَدَّرَ كُلَّ نَصِيحَةٍ مِنَ النَّصائِحِ الأرْبَعَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿ يَا أَبَتِ ﴾ تَوَسُّلًا إلَيْهِ واسْتِعْطافًا. ثم يأتي الرَّدُّ القاسي مِن أبيه الكافر إذ يقول ﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا[مريم: 46]، ومع هذا لا يزال الأدبُ جاريًا مِن الخليل نحو أبيه، فيقول: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا [مريم: 47، 48]، وفي جَوابِهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكَ ﴾ مُقابَلَةُ السَّيِّئَةِ بِالحَسَنَةِ. ولسان حاله وقاله: لا أُصِيبُكَ بِمَكْرُوهٍ بَعْدُ. ولَكِنْ سَأدْعُو رَبِّي أنْ يَغْفِرَ لَكَ.

 

وبما أنَّ الجزاء مِن جنْس العَمل، انظُر لأدب إسماعيل مع أبيه الخليل عليهما الصلاة والسلام، حين أَخبَره أنه رأى في المنام أنه يذبحه، أجاب الابنُ مبادِرًا ومناديًا أباه، بما كان يتلطَّف به أبوه مع جدِّه، وبنفس الطريقة: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ[الصافات: 102]، ويجازى الخليل عليه السلام بإيمانه وببرِّه بأبيه أن يكون أبناؤه أنبياء، وتكون النبوة مِن بعده منحصرةً في ذرِّيَّته ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا[العنكبوت: 27] بصلاح أبناءه ﴿ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ[العنكبوت: 27]، حين يرى مِن ذرِّيَّته سيِّد الرُّسل صلى الله عليه وسلم، وأكثر الأُمم تبعًا لحفيده.

 

أيُّها الأبناء! أدبُ الخليل مع أبيه ينبغي أن يكون درسًا للأبناء مع آبائهم، إنْ قسَى عليهم آباؤهم؛ فكيف إنْ كان الأبُ لطيفًا بك، رفيقًا رحيمًا؟! أيُّها الابن! يقول ابن عباس رضي الله عنه: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ لَهُ أَبَوَانِ فَيُصْبِحُ وَهُوَ مُحْسِنٌ إِلَيْهِمَا إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَا يُمْسِي وَهُوَ مُسِيءٌ إِلَيْهِمَا إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَابَيْنِ مِنَ النَّارِ، وَلَا سَخِطَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَيَرْضَى اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ)، قَالَ: قُلْتُ: (وَإِنْ كَانَا ظَالِمَيْنِ؟) قَالَ: (وَإِنْ كَانَا ظَالِمَيْنِ).

 


 

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

 

مقالات ذات صلة

 

مختارات من الشبكة

 

 ===============

 

مواعظ مؤثرة عن "بر الوالدين"

لابن الجوزي رحمه الله [1]

 

الويلُ كلُّ الويل لعاقٍّ والديه، والخزيُ كل الخزي لمَن ماتا غِضَابًا عليه، أُفٍّ له هل جزاء المحسن إلا الإحسان إليه؟!

أَتْبعِ الآن تفريطَك في حقهما أنينًا وزفيرًا، ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[الإسراء: 24].

♦♦♦♦

 

كم آثراكَ بالشهوات على النفس! ولو غبتَ ساعةً صارَا في حبْس، حياتُهما عندك بقايا شمس، لقد راعياك طويلًا؛ فارعَهما قصيرًا، ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[الإسراء: 24].

 

♦♦♦♦

كم ليلةٍ سهرَا معك إلى الفجر، يداريانك مُداراةَ العاشق في الهجر! فإن مرضتَ أجريا دمعًا لم يَجْرِ، تالله لم يرضيا لتربيتِك غير الكفِّ والحِجْر سريرًا، ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[الإسراء: 24].

 

♦♦♦♦

 

يعالجان أنجاسك، ويحبَّان بقاءك، ولو لقِيتَ منهما أذى شكوتَ شقاءك، ما تشتاق لهما إذا غابا، ويشتاقان لقاءك، كم جرَّعاك حُلْوًا، وجرعتَهما مريرًا، ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[الإسراء: 24].

 

♦♦♦♦

 

أتحسُن الإساءةُ في مقابلة الإحسان؟! أوَ ما تأنف الإنسانية للإنسان؟! كيف تُعارِض حسنَ فضلهما بقبح العصيان؟! ثم ترفع عليهما صوتًا جهيرًا، ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[الإسراء: 24].

 

♦♦♦♦

 

تحبُّ أولادك طبعًا؛ فأحببْ والديك شرعًا، وارعَ أصلًا أثمر لك فرعًا، واذكر لطفَهما بك وطِيب المرعى أولًا وأخيرًا، ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[الإسراء: 24].

 

♦♦♦♦

 

تصدَّق عنهما إن كانا ميتين، وصلِّ لهما واقضِ عنهما الدَّين، واستغفر لهما واستدمْ هاتين الكلمتين، وما تُكلَّف إلا أمرًا يسيرًا، ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[الإسراء: 24].

 


[1] من كتاب "التبصرة"؛ لابن الجوزي.

 


 

 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

 

مقالات ذات صلة

 

مختارات من الشبكة

===============

 

مواعظ وحكم من كتاب "روح الأرواح" لابن الجوزي (1)[1]

 

١ - يا حبيبي، باب الذل أقرب لدخول قصص الملهوفين، لما أدخل آدم منه قصة: ﴿ ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا[الأعراف: 23]، وقع على ظهر قصته: ﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ[البقرة: 37].

 

٢ - إذا لم يصبِرْ يوسف قلبك على سجن التعبد، فلا أقل من حزن يعقوب، فإن لم يكن، فعسى اعتراف إخوته يوم: ﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا[يوسف: 88].

 

٣ - العارفون شمَّروا عن ساق الجِد، وأهل الغفلة في لهو الهوى يلعبون، كم أطالوا نوم الغفلة على فراش البطالة لا يستيقظون، ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ[المؤمنون: 99].

 

٤ - كم تحضُرُ مجالس الذكر، والحال ما حال، عجب عجاب!

٥ - أين مَن حصَّن الحصون وغدا في لهوه وراح؟! أبادهم الحدثان، فكم لهم تحت اللحود لو سمعت مِن صياح، يوَدُّ أحدهم ساعةً مِن عمرك عساه بالإقالة يرتاح.

 

٦ - أهل المعاصي جفَّتْ مِن أعينهم العبرات، فلا معين ولا معين.

٧ - يا مَن تعثَّر في ليل هواه، متى يبدو من التوبة الصباح؟!

يا مَن غره ليل الشباب، هذا فجر المشيب قد لاح.

أتلفت قوتك في طلب القوت، وفي الكِبَرِ ترجو الصلاح.

 

٨ - يا أخي، بالله عليك أحضِرْ قلبك للطاعة ولو ساعة، يا مَن جمد قلبه على الهوى جمود الجماد، طبعُك للمعاصي متحرك وللطاعة ساكن، ويحك! أمَا لك قلب تنظر به لماذا خلقت؟ ما أطولَ نومَ غفلتك! فمَن أُحدِّث؟! ويحك! أين ذل الاعتراف؟!

 

٩ - أين السرير والنعمان؟!

وأين كسرى والإيوان؟!

وأين ملوك بابل؟ أبادهم الحدثان، ليومٍ يقدمون فيه على ما قدموه، ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ[آل عمران: 106].

 

١٠ - كم درست عليك الأيام حديث الربوع الدوارس![2].

كم أسمعك حادي المشيب رحيل ركب العمر وأنت في بحر الغفلة تمارس!

كم تشتري هوى النفس بفَلْس وأنت في متجر إيمانك تُماكِس![3].

كم تختلف إليك رسل المنايا وأنت تعلم أنك بينهم بعد قليلٍ جالس!

ويحك! إذا وسَّخْتَ ثوب إيمانك بدنس الدنيا، فيوم زينة المحشر ما أنت لابس؟!

 

١١ - واعجبًا! كم لي أُحدِّث قلبك وما عندك خبر.

ضيعتَ شبابك في الغفلة وتبكي عند الكِبَر.

كيف استلَنْتَ فرش المعاصي، ما الذي أعمى منك البصر؟!

تعصي مَن خلقك من نطفة وقدر عليك وقدر، بيده خزائن السموات والأرض ويستقرض منك ويتخذ والذي عندك محتقر.

 

١٢ - لمَّا ضعفت عن الخدمة نويت المتاب، ليت شعري فيما أنفقت حاصل الشباب؟!

لما كنت غضًّا طريًّا نأيتَ عن الأحباب، فلما عدتَ يابسًا عدت إلى الباب.

كم غيبت مِن الأتراب تحت التراب، أما تراهم كيف جفاهم الخِلَّان والأصحاب؟! ما كأنهم كانوا وكنَّا في اجتماع وأتراب.

 

١٣ - واعجباه! ما الذي أنزل همةَ نفسٍ أنفاسُها نفيسة من يوم: ﴿ اسْجُدُوا [البقرة: 34] حتى زاحمتها كلاب الشهوات في جيفة الدنيا على مزابل الشَّرَهْ؟! وحجارة الذل تقع على الأنوف ولا أنفَهْ!

 

١٤ - يا رفاق التائبين، البَدَار؛ فمنزل القبر قريب، كثِّروا زاد التقوى لطول السفر تجدوه، ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران: 106].

 

١٥ - يا أهل المعاصي، متى يكون عن دار الغفلة الإقلاع؟!

هذا المشيب يخرب من شبابك مشيد القلاع.

اسمعوا نَغَم حادٍ ينادي مَن حاد عن السبيل ضاع:﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ[غافر: 18].

 

١٦ - يا مَن ثوبُ ثوابه بالمعاصي تمزَّق.

يا مَن وجهة توجهه بالغفلة أخلق.

إذا طلبت الآخرة سامحتَ وإذا طلبت الدنيا تتحقَّق.

همَّتُك في طلب الدنيا كالثريَّا، وفي طلب الآخرة في الثرى، ولا أسفَ ولا قلق!

 

١٧ - سبقَتِ السعادةُ لقومٍ كل منهم إلى باب الحبيب استبق؛ فأهلُ الشقاء كلَّما راموا المهمات طبق عليهم الخِذلان الطبق.

١٨ - يا هذا، العلم ذهب، والعمل وَرِق، والمصارفة هذا لهذا.

 

١٩ - ثواب ألطافه ينادي بلطيف لطفه:﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [الحديد: 11].

مائدة رزقه على بساط البسيطة مبسوطة، ﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الملك: 15].

إن أتى مُفلِس التوبة إلى بابه بلا فلسٍ، أخرجت له مائدة: ﴿ لَا تَقْنَطُوا [الزمر: 53].

إن بالغت سهام الذنوب في المذنبين، جذب نصلها التنصل بالاستغفار، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا[الزمر: 53].

 

٢٠ - بدَا للقوم فجرُ الآخرة مع فجر القرب، فجَدُّوا في السرى، وأنت مقيم في البطالة.

 

٢١ - يا معاشرَ السالكين، غُضُّوا أبصار البصائر عن النظر إلى الفضول؛ فالمُراقِب بالمرصاد.

قيِّدوا خُطى الخطايا عن الجولان في ميدان الهوى؛ فالناقدُ بصير.

اجمَعوا سهامَ الغِيبة عن أغراض الأعراض؛ فرُبَّ رميةٍ أصابت الرامي.

كم كلمةٍ كَلَمَتْ[4] قلب المتكلم!

وكم نظرةٍ أذهبَتْ نضرة الناظر!

 

٢٢ - إذا همَعَتْ[5] قطرات المدامع مِن سحائب العيون على أرض الخدود، أزهَر بستانُ الخشية، وتعطَّرت أنفاس النفوس بطيب المراقبة، وامتلأت عيون القلوب بماء المحبة، وغنَّتْ بلابل الألباب على أفنان الثناء، وقدحت زناد المحبة في مجامر الفؤاد، وصفا زمانُ المراقبة من غَيْم الغفلة.

 

٢٣ - أين زفرات الأشواق؟

أين عَبَرات العشَّاق؟

أين دموع التائب المهراق؟

 

٢٤ - لله درُّ الصادقين! صبروا على قطع مسافة العمر، ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا[الأحزاب: 23].

 

٢٥ - لا تستصعِبْ طريقَ الصادقين من الدار إذا كان المغيثُ يُغيث والمعينُ يُعين؛ فرُبَّ مطلب ناله فقيرٌ وخاب منه الطالب.

تعرَّض لمَن أعطاهم؛ فإنه لا يخشى الفقر، سَلْ بلسان الذل مَن أغناهم؛ فعسى أن يجبُرَ كسر فقرك، فما أجملَ حليةَ الانكسار!

 

٢٦ - يا مقامات السالكين، أين السالك؟!

يا سامع الواجدين، أين الواجد؟!

يا ربوع الصالحين، أين الساكن؟!

يا آثار الزاهدين، أين القاطن؟!

 

٢٧ - يا مَن طردَتْه الذنوب عن الباب، اندُبْ زمان الوحشة وراجع؛ فالخائفون أقبلوا على المولى بدمعٍ سائل، وقلب مِن الهيبة خاشع.

 

٢٨ - إخواني، إياكم والمعاصيَ؛ فإنها أذلَّت مَن أذلت حتى أسقطت تاج: ﴿ اسْجُدُوا[البقرة: 34] إلى أرض: ﴿ وَعَصَى [طه: 121]، ونكست رأس: ﴿ اسْكُنْ أَنْتَ[البقرة: 35] بذلِّ: ﴿ اهْبِطَا مِنْهَا[طه: 123].

 

٢٩ - يا مسافرون، أين الزاد؟!

يا راحلون، أين الركائب؟!

 

٣٠ - يا نائمًا في قفار[6] التسويف، أخطأتَ الطريق، صبي غفلتك يقول: إذا شبت تبت، ولسان القواطع يناديه: ﴿ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ[المؤمنون: 36].

علامة الهلاك للمريض التسويف.

 

قواعد آمالك مبنيَّةٌ على شفا جُرُف هارٍ، عزيمتك للتوبة عزيمة بازي[7]، وعند عقد العهد تفرُّ فرار رخمة[8]، تنقض عزيمة العزم بالتسويف ﴿ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا[النحل: 92].

كلما ابيَضَّ الشيبُ، اسودَّتِ الصحائف!

كلما ضعُفت القوة، قوِي المرض!

كلما قصُر الأجل، طال الأمل!

 

٣١ - إخواني، افتَحوا أصداف الأسماع؛ فلعل قطراتِ المواعظ تعقد فيها جوهر المتاب.

كم يعرض عليكم سمسار الموعظة سِلَع الآخرة ولا مشتري!

كم يفتح لكم نوافج[9] مِسك اليقظة، وزكام الغفلة قد غلب!

 

٣٢ - المغرور بطول الأمل يبيع ماء الشَّرابِ ثم يعود بظمَئِه.

٣٣ - واعجبًا! كيف تستحلي الدنيا وهي علقمٌ في ذوق المحاسبة؟! لكن في ذوقك مرض.

عرضك عارض الغفلة للإعراض، فلما عرضت عليك عروض الأعمال، أعرضتَ.

جس طبيب التوفيق نبضَ قلبك، فما وجد فيه حركة، فأقبل يُعزِّي أعضاء التعبُّد!

 

٣٤ - يا حبيبي، إن لم تكن في طلائع المحبين، فإياك أن تتخلَّفَ عن ساقةِ المستغفرين.

ويحك! إلى كم تُشيِّعُ ركائب التائبين وترجع؟! سيصِلون وتقطع، سيظفَرون بالمُنى وتمنع، إذا فاتك الرِّبحُ في الموسم فبأيِّ الأرباح تطمع؟!

 

٣٥ - يا مَن تُحدِّثه الحوادث وما يسمع.

يا مَن تناديه العِبَر: ارجع إلى الطريق وما يرجع.

جس طبيب الموعظة نبضَ عزمِك فما وجد في حياتك مطمع!

كم نوم في الهوى، كم نوم في الغفلة وثوب شبابك تقطع.

كم ذا التعامي، كم ذا التمادي، غدًا فجر المشيب يطلع.

 

٣٦ - يا بائعًا عمره بثمن بَخْسٍ وقد ضاع الثمن.

يا محبوسًا في سجن الغفلة، لو أشرقت على وادي الدجى لرأيت قصور القوم على شاطئ نهر: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ[الذاريات: 17]، وسمعت بلابل أشواقهم على أغصان الأشجار تترنم: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ[الذاريات: 18].

 

٣٧ - مَن عبَر إلى ساحل الندم سالت عبَراتُه، ومَن حزن على الفائت ظهرت حسَراته.

٣٨ - يا نائمًا في ليل الغفلة، تيقَّظْ؛ فقد لاح فجرُ الرحيل، بالله ما تخلُّفك عن الركب؟! ما أرى ركائب العزم إلا وقفت، أترى نام الحادي؟! أم ضعتَ؟! أم ضللت عن الطريق؟!

 

٣٩ - بالله عليك، تذكَّرْ برد حلاوة الطاعة في منزل: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ[الرعد: 24].

٤٠ - كم تُضيِّعُ بَذْرَ أنفاسك في سباخ[10] البطالة، متى ترده إلى زرع المعاملة، لعل أو عسى يثمر عود عسى[11].

 

٤١ - يا حبيبي، إلى متى تُنفِق النفس النفيس في التسويف؟! أما تخاف إذا سلكت سبيل الهوى كثرةَ المعاثر؟!

لو تذكرتَ ما يلاقي الرَّسْم في الرَّمْس[12]، لان جمادُ قلبك!

كم تلفِّق والمَنون يفرِّق؟!

كم تؤلِّف والحدثان يصرِّف؟!

كم تصفِّي والموت يكدِّر؟!

كم ترقِّق والحساب يدقِّق؟!

كم تولِّي والموت يعزل؟!

ما ينفع الغريقَ نداءُ مَن في الساحل.

 

٤٢ - يا هذا، مَن مال إلى الغنى بالمال مال، ومَن سكن إلى دوام الحال حال، إنما غنى الأبد سابقة "سَبَقَتْ"، ما يفي غنى الدنيا بزواله.

 

٤٣ - الليل مطايا المتهجِّدين، والتلاوة حاديهم، وفي السَّحَر تظهر أعلام المنزل، وفي الفجر تحطُّ عن القوم بضائع الأعمال، فإذا قام سوق: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ[السجدة: 17]، هنالك يَعَضُّ النائم على أنامل الندَم!

 

٤٤ - معاشِرَ التائبين، اجمَعوا أشتات قلوبكم بالعُزلة، غمِّضوا بازي الهوى عن الطيران، فإذا ارتاض، فأطلِقوه في فضاء الاعتبار، يقتنِصْ لكم طيور المعاني.

 

٤٥ - مَن خرج له توقيع القرب، دلَّه دليل السعادة على الجادَّة، وغرس في قلبه أشجار الهداية، وسقاها ماء الحماية، فإذا ثمار المعرفة على أفنان اللسان ﴿ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ[الحاقة: 23] لقلوب دانية، هذا شرح منشور الإرادة، فما يتعلَّلُ بالتخلُّف إلا عليل!

 

٤٦ - لا يغتَر بلعب الخيال إلا مَن لا يعلم ما وراء الستر.

لا يغتر بالأحلام إلا مَن لا يعلم التأويل.

 

٤٧ - إذا ذهب منك فَلْس تحزن، وتفرح بعمر ولَّى في اللهو يا ليته يرجع، أما عايَنْتَ وضع الأحباب في التراب في لحدٍ خرِبٍ بلقع؟! نُقلوا مِن فسيح القصور إلى هولٍ يخرُسُ اللسانُ أن يعبِّر عما يرى، ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا [آل عمران: 30].

 

٤٨ - يا معتكفًا على شهواتِ النفس، أخطأت الطريق.

يا معوقًا نصلَ سهمِ عزمه في طلب الدنيا، ما أصبتَ الغرض.

 

٤٩ - إذا وليت سلطنة القدر ولاية الولاية، عقدت لها ألوية العناية، فما حيلة المحروم؟!

إذا هبَّتْ نسيم التوفيق في سَحَر العناية، تحرَّكت أغصان قلوب المستغفرين، واهتزَّتْ أفنان الألسنة بصنوف الدعوات.

 

٥٠ - ويحَك! إن لم يكن ذلُّ العارف، فلا أقل مِن ذلِّ المعترف، لعل عطفة عطف تعطِفُك.

٥١ - بالله يا إخواني، ساعدوني بالبكاء ساعةً نبُثَّ أحزان قلوبنا؛ فلعل ريحَ قميص القَبول يأتي مع بشير العفو.

٥٢ - يا حبيبي، مَن ذاق حلاوة الأُنس بالحبيب في الخَلوات، باع النوم بنَقْد السَّهَر.

٥٣ - كم لك وأنت تائه في بوادي المعاصي، فمتى تنزل بوادي الندم؛ فهو مُعشِب ورائحته مستكية.

 

٥٤ - يا مَن هب على عارضه دبور الإدبار وجنوب المجانبة حتى قرب من ساحل الشيب، فانكسرت سفينة عمره، ويحَك! اخرُجْ على عود العود إلى مدينة التوبة؛ فلعل بعضَ ما غرق يطفو ﴿ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ[هود: 86].

 

٥٥ - لو وُزن سرور الدنيا والحزن، لوُجد الحزن أكثر.

٥٦ - إذا اشتغلتَ بتجهيز البنات والبنين، متى تُجهِّز عمرك لدار القبر؟!

٥٧ - بالله، نُحْ على نفسك قبل أن يناح عليك، وابكِ قبل أن يُبكى عليك.

٥٨ - يا مقبلًا على الدنيا، كأنك بمدامع الأسف تجري ولا تدري!

كيف تجفو العمل الصالح وهو رفيقٌ رفيقٌ[13]؟!

 

٥٩ - متى أراك تحاكم هواك عند قاضي المخالفة؟

متى تقرطس سهمَ عزمك فتذوقَ حلاوة نيل الغرض؟

 

٦٠ - يا مطرودًا عن الباب، يا محرومًا مِن لقاء الأحباب، إذا أردتَ أن تعرف قدرك عند الملِك، فانظر فيما يستخدمك، وبأي الأعمال يَشغَلُك!

كم عند باب الملك مِن واقف بقصته، ولكن لا يدخل إلا مَن له عناية.

ما كلُّ قلب يصلح للقُرب.

ولا كل صَدْر يحمل الحب.

ما كل نسيم يُشبِه نسيم السَّحَر.

 

٦١ - إخواني، مَن تاه في ظُلمة ظلمه تَلِف.

٦٢ - طالب الشهوات باحث عن حَتْفه بكفه.

 

٦٣ - ويحك! قد احتويت على أربع مؤدية إلى التلف: الشيب والحرمان والذنوب والشقاوة، لا الثوب طاهر، ولا البدن نظيف، ولا القلب نقي.

أين فيض العَبَرات لحلول العِبَر، أين التلهُّف على زمان غبر؟!

أين البكاء على فَقْد أحباب لم يجُلْ فِراقُهم في الفكر؟! ﴿ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا[مريم: 98].

 

٦٤ - يا حبيبي، إذا مزق ثوب ثوابك مسمار المخالفة، فعليك برقاع الندم.

٦٥ - يا غارقًا في بحر الغفلة، سافَر المحبُّون على رواحل الصبر، وقطعوا أرض الشوق، وحطُّوا في روضة الأُنس، فتعطَّرَتْ أنفاسهم بنَشْر القرب، وعَبِقَتْ بنسيم الوصل، وقتيل الغفلة ما عنده خبر!

 

٦٦ - ما أسرعَ الخرابَ من قلب عُمِرَ بالمُنى! تُؤمِّل مشيد البنا، وربما ضربت لقبرك اللبنات! تُحدِّث نفسك بأرباح الهند، وربما كفَنُك عند قصَّار[14] بغداد!

 

٦٧ - يا مَن تخلَّف عن الباب حتى شاب وما تاب، بادِرْ قبل فوات الوقت وغَلْق الأبواب!

٦٨ - لا يستريح مِن تعب السفر إلا مَن وصل إلى المنزل، وما أشدَّ الحسرةَ على مَن فاته الركب وانقطع عن الرفاق!

 

٦٩ - إذا أدار فلَك السعادة شمس القَبول، أشرقت أرض رياض قلب التائب بنور ربها.

٧٠ - واعجباه! كم يَصيح النصيح بلسان فصيح ولا سامع، لا ينفَع العَذْل المتيم، ولا يسمع العتب عاشق.

 


[1] وقفتُ على نسخة واحدة مطبوعة لهذا الكتاب، لدار الكتب العلمية، وهي نسخة سيئة، بها أخطاء كثيرة جدًّا، مما دفعني إلى أن أبحث عن نسخٍ خطية، وبفضل الله وعونه حققتُ هذه المواعظ - ولست من أهل التحقيق - على صورتين عن نسختين خطيتين:

الأولى: نسخة بمكتبة دار الإفتاء السعودية، رقم 242، وهي نسخة تامة، وخطها جميل.

الثانية: نسخة مكتبة الأسكوريال، رقم 766، وبها بعض الصفحات سيئة التصوير، وقد استفدت منها في مواضع كثيرة.

[2] دارس مِن الرسوم أو الآثار: الذي امَّحى.

[3] تماكَس الشخصان في البيع: خدع كلٌّ منهما الآخَر.

[4] كَلَمَتْ: جَرَحَتْ.

[5] همَعَت العين: دمعت.

[6] أرض قَفْر: ليس بها زرع ولا ماء ولا بشر.

[7] البازي: جنس من الصقور الصغيرة أو المتوسطة الحجم.

[8] رخمة: حيوان من فصيلة النسريات، ريشُه غزير، يختلط به السواد والبياض.

[9] نافجة: وعاء المِسك.

[10] أرض سباخ: أرضٌ لم تُحرَثْ ولم تعمر؛ لملوحتها.

[11] عسى النبات: غلُظ وصلُب.

[12] الرَّمْس: القَبْر.

[13] رفيق رفيق؛ أي: صاحب رفيق.

[14] القصَّار: المبيِّض للثياب، وهو الذي يهيئ النسيج بعد نسجه ببَلِّه ودقِّه بالقصرة.

 

 =================

 

مائة وعشرون موعظة جديدة

من كتاب "موافق المرافق" لابن الجوزي

 

١-عبادَ الله، تلمَّحوا العواقب تلمحَ مراقب، وثابروا على المناقب؛ فإن العاقل لتحصيل المنى مُناهب.

٢-مصايد الشهوات مبثوثةٌ في طريق المُتّقي، فلا يسلم من شرورها ذو شرهٍ، وإنما ينجو من فِخاخها الذين يؤمنون بالغيب.

٣-تَرى ما يطرأُ من العِبر وينوب وأنت لا تتوب، قد دَرِنَ جسم قلبك بالذنوب، فما يغسله ألف ذَنوب[1].

٤-ما وصلوا إلى المنزل إلا بعد طول السُّرى، ما نالوا لذَّة الرَّاحة إلا بعد أن صبروا على المشقة.

٥-لا بد من حَمْلِ البلاء في طريق الوصال.

٦-سُرادق المحبة لا يُضرب إلا في قاعٍ فارغٍ نزهٍ.

٧-يا حاضرًا كغائب، إذا رأيت التائبين قد تحرَّموا للرحيل عن ديار الهوى فابكِ على توقُفك، ويحك، فاض النَّهرُ؛ فاعبر قبل الغرق.

٨-إنما خلقت الأكوان كلها لك، فالدنيا لتزرع، والآخرة لتتوطن.

٩-يا مغرورين بحبة الفخ، ناسين خنق الشرَك، تذكروا فوات المقصود مع حصول الذبح ﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان: 33].

١٠-ألا يصبر طائرُ الهوى عن حبَّةٍ مجهولة العاقبة؟ وإنما هي ساعة، وقد يصل إلى برج أمِنَة وفيه حبّاتٌ.

١١-بادر بالعمل قبل خروج الروح، فـما تدري من غدٍ هل تروح.

١٢-دع نفسك تبكي من شدة الرياضة، فستضحك عند صحبة الملوك.

١٣-يا صبيان التوبة، دوموا على الحِمية وإن أذابت الأبدان؛ فإنها تجلبُ العافية، وإياكم والتخليط؛ فإنه سبب المرض.

١٤-أيا أقسى الناس قلبًا، أما لك عين ترى ما جرى؟! يتوب الصبيان وتُصِرُّ، وتضرب على عملة الهوى ولا تُقِرُّ.

١٥-يا ماشيًا في ظلام ليل الهوى، لو استبصرت بمصباح التقى، فما تأمن بئرَ بوارِ ﴿ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا [الأنعام: 104].

١٦- صورة طاعتك نطفة، فإذا كانت عن معرفة صارت علقة، فإذا تم الإخلاص صارت مضغة، فإذا وقعت مشاهدة القلب للمعبود صارت عظمًا، فإذا تحققت المحبة نُفخ الروح في العمل.

١٧-متى يتحدث الجيران بأنه قد تاب فلان؟ متى يقول الأقران: لنا اجتماع في مكان، فتقول: ذلك أمر قد كان. يقولون: ما الخبر؟ قيل: صخرٌ لان.

١٨-ما كان أحسن قلبك، وما كان أصفى شربك، فأكثر على المصاب ندبك، لم تبق لك حيلةٌ إلا ملازمةُ باب الطبيب، فإن لم تقدر على ثمن الدواء، فالبكاء رأسُ مال الفقير.

١٩-يا هذا، بادر الزَّمَنَ قبل الزَّمِن[2]، واغتنم الصحة قبل السقم، فكأن قد جاء المرتقب.

٢٠-كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره؟ كيف يُسَرُّ من يقوده عمرُه إلى أجله، وحياته إلى موته.

٢١-ويحك، كتابك بالذنوب مَلآن، فاستدرك أمرك من الآن.

٢٢-اشكروا من ألهمكم سقْيَ غروس الإيمان من ماء المجاهدة، حتى ذقتم من الثمرة حلاوة الرضا بقليل الدنيا ﴿ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا[الواقعة: 72].

٢٣-إن ضيَّق الورَعُ عليكم رزقًا، فستوسِّعه القناعة.

٢٤-ويحكم، الالتفات إلى المتروك خسة همة، التقاط المنبوذ غاية الذلِّ.

٢٥-ما زلتُ أعالج مِسمارَ الهوى في قلب العاصي، أميلُ به تارةً إلى جانب التَّخويف، وتارة إلى جانب التشويق، فلما اتسع عليه المجال جذبته.

٢٦-إذا طلعت فجرُ الأجر حَمدتم طول السُّرى.

٢٧-يا نائمًا طول الليل، إذا أصبحت فزر أهل السهر، واسألهم عما جرى في السَّحر، فإذا أمْلوا بعض ما كان؛ فاكتبه بمداد الدمع.

٢٨-تحضرون المجلس فرجة، وتجعلون رجاء النفع حجة، ولا تسلكون إلى العمل محجةً ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي[يوسف: 53]. فعندي زفير ما ترقى إلى الحشا، وعندي دموعٌ ما بلغن المآقيا.

٢٩-أنتم على الإزعاج، فما هذا التوطن؟! ﴿ أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ [الشعراء: 146].

٣٠-يا هذا قد اشتريت الدنيا بدينك، وبين الثمن والمثمن تفاوت عظيم، والغبن الفاحش يوجب الرّد، فردّ المشترى ولا تتمسك به بعد اليقين بالعيب؛ فإن الإمساك رضى.

٣١-من تذكر الحساب مال عن جمع المال.

٣٢-كان القوم يبيعون الفاني بالباقي، وأنتم قد عكستم، كيف تُطلب الشجاعة من جبان؟!

٣٣-يا نائمًا طول الليل، أما تحس بَرْدَ السحر؟! أما تسمع صوت الداعي؟!

٣٤-كتب الأوزاعي إلى أخٍ: أما بعد، فإنه قد أحيط بك من كل جانب، واعلم أنه يُسارُ بك في كل يوم وليلة، فاحذر الله والمقامَ بين يديه، وأن يكون آخر عهدك به، والسلام.

٣٥- يا من هدم ركن التوبة، ارفع قواعدَ الأسف.

٣٦- أتُراك ما تستحي يوم عيد التائبين أن تمشي بينهم وثياب تقواهم جُدُد وقميصك مرقوع؟!

٣٧- يا أصحاب القلوب الصافية اعرفوا قدر نعمة العافية، استعيذوا بالله من الحور بعد الكور، على ذي سرٍّ صافٍ تكدر، وصاحب حالٍ حالَ وتغير، ردَّتْه الذنوب من الطريق، ورمته العيوب في مضيق.

٣٨- أي تصرف بقي لك في قلبك وهو بين أصبعين؟! كيف يطيب عيش من لا يدري بم يُختم له؟!

٣٩- ويحكم، ظاهر الدنيا يُعجب ويروق، وباطنها جيفة مستورة بالخلوق[3].

٤٠- تلمّحوا يا غافلين أحوال الشباب التائبين، أين ورد خدود الصبيان؟! صيّره الحياء من الذنوب نرجسًا، أين شحوم الأبدان؟! أذابها حر الحذر، أين خيلاء العجب؟! بدلت بذلة المسكنة والحزن.

٤١- يا عازمًا على سفر التوبة، خذ للتغرب أهبة، ليس كل من خرج سافر، النقطة قبل الدائرة ﴿ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا[البقرة: 189]، اندم على ما مضى من المأثم، واردد على المعاملين المظالم.

٤٢- عقرَ سليمان الخيل ﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ[ص: 36]. واعجبًا! أسليك عن الدنيا.

٤٣- عليك ملكٌ يرفع عملك.

٤٤-ويحك، خذ بتلابيب نفسك قبل أن يأخذ ملك الموت بها.

٤٥-أما يكفي في إقامة أعذار الخاطئين: (لو لم تذنبوا)؟

أما في رسائل: (هل من سائل) دليل الكرم؟

٤٦-يا مشغولاً عني، يا من أبعده الزلل مني، كنت في رفقة "تتجافى". فصرت في حزب أهل النوم، أين القلق لفراق المألوف من الخير؟! مساجد الدجى تستوحش لصلاتك، مواطن الطاعة تتوق إلى عبادتك.

٤٧-يا هذا، (من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه). والذي يعني العبدَ خدمة سيده وغيرها لا يعنيه.

٤٨-امدد يدَ المعاهدة على الوفاءِ فَمَزِّقْ بها ثوبَ الغَدْر.

٤٩-ويحكم، أعماركم تُنهبُ، وأيامكم تَذهب، وآثامكم تكتب، أصمم عن النصائح؟! أم عمى والأمر واضح؟! {﴿ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا[النساء: 78].

٥٠-الرياضة تكسر عوادي دواعي الطباع، من راض نفسه كف كفها عن الفضول، وزوى يدَ الزوائد.

٥١-من وقف نفسه على صراط الاستقامة وبيده ميزان المحاسبة، أَمِن من الغبن، بمحك[4] الورع تستعرض أعمال النفس، ويُرد البهرج[5] إلى كير التوبة، فمن استعمله، سَلم من ردّ الناقض يوم القبض.

٥٢-يا من يفرط في أعماله ويتكل على الشفاعة، رُبَّ أمل خاب، ويحك، كن رأسًا بنفسك؛ فإن السبُع لا يأكل إلا ما افترس.

٥٣-يا صبيان الهوى، أنتم تخرجون لقتل سبع ما آذاكم ليقال عن أحدكم: ما أجلده، فكيف تتركون سبُع الهوى وقد افترسكم؟!

إذا خرجتم إلى سبع البرية مدحكم جُهال العوام، ولو خرجتم إلى سبع الهوى غبطكم راسخو العلماء.

هذا سبع الهوى قد أغار على سَرح القلوب، فهل فيكم عارم؟!

٥٤-تقبض ثمنَ يُوسُف قلبِك وقت الضُّحى، وتبكى عشاءً عند يَعقُوب، رميت يوسف قلبك في جُبِّ الهوى، وتتهم به ذئب الصحراء.

٥٥-بالله عليك، اعرف ما ضاع منك وابك عليه بكاء عاقل، كان لك قلب فانقلب، كان لك وقت فذهب.

٥٦-واعجباً! سجدت السحرة بلا وضوء، إلى غير القبلة، في ثيابٍ غير طاهرة، فنالوا بتلك الصلاة الصلات.

٥٧-يا أطيار الأدميّة، إما عبَّادان[6] التعبد، وإما استفراخ العلم، وإلا فالذبح.

٥٨-إنما تُدفع الشدائدُ بالاستعداد لها.

٥٩-شدة الحرص سُدَّة في كبد الإيمان، غير أن شراب العزيمة يُحَلِّلُ السدد.

٦٠- يا من إذا أصبح طلب الشهوات، وإذا أمسى تقلب على فراش الزلات، أين أنت من قوم نصبوا الآخرة بين أعينهم؟ فقلوبهم وجلة، وأفئدتهم قلقة، هيهات هيهات، ما لك سهم من نصيبهم ﴿ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ[ص: 46]. نقضوا الدنيا فبنوا الآخرة.

٦١- من أراد أن ينظر إلى محاربة العقل والهوى، فلينظر إلى الضباب والشمس كيف يَتحارَّان[7]، فتارة تقوى عليه، وتارة يقوى عليها، فإذا قوي عليها حجبها عن العيون من حُجب الغيوم، وإذا قويت عليه نسخته فكان يوم صحو، فالضباب الهوى، والشمس العقل.

٦٢- يا صبيان التوبة، هلالكم خفيٌّ، فدوموا على التقوى يصرْ بدرًا، لا بد من ضيق ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ﴾، الطبع إلى المألوف يحنُّ، والولد يطلب ما يشتهي، والزوجة تروم سعةَ النَّفقة، والورع يمنع من التَّوسع في الكسب ﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا[الأحزاب: 11].

٦٣- للقلب يقظة، وللنفس غفلة، واليقظة مقهورة لانبساط جنود الهوى في مدينة البدن، فإذا جاءت الموعظة أمسك هوى النفس عن عمله؛ شغلاً بتدبر النصح، فنهضت يقظة القلب، فوجدت حارس الهوى مبهوتًا، فإن أَسْرَت أسَرَت كل من كان مطلقًا من جنوده.

٦٤- جناحا الطائر يعجزان عن حمل جُملته، فقد أُعين بخلق الريش على جميع البدن، فإذا حرَّك الجناحين دخل الهواءُ في باقي الرّيش، فصار كجناحين آخرين، فيقطع الأفلاك بجميع البدن، فتحريكه الجناحين في وزان الكسب، وخرقُ الهواء الريش في مقام التَّوفيق.

٦٥- لا تطمعوا في العفو مع الإصرار ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ [النساء: 123].

٦٦- الدنيا بحرٌ عميق قد هلك فيه خلق كثير، ما أقل السالمين في بحر الهوى!

٦٧- ويحكم، دعوا محبة الدنيا؛ فعابر السبيل لا يتوطن.

٦٨- يا أسير الشهوات، يا مقيَّدًا بالزلات، استوثق والله منك الفخ، وما تنتظر إلا الذبح، ويحك، تماوت بالانكسار لعل الصياد يفلتك.

٦٩- يا قلوب التائبين ارهبي، يا نفوس المذنبين اهربي، يا أفئدة المشتاقين اطربي، يا خيل الله اركبي، (من مشى إليّ هرولت إليه).

٧٠-ذكر الحساب على اللقمة شوك في مجرى البلعوم.

٧١-تبلغ؛ فالبلغة تريح الهم، فضول العيش أكثرها هموم، وأكثر ما يضرك ما تحب، إذا اتفق القليل وفيه سِلمٌ، فلا ترد الكثير وفيه حربٌ.

٧٢-متى تستوحش من معاشرة الخلق؟ متى تستأنس بمناجاة الحق؟

٧٣- أُفدي قومًا عيشهم المناجاة، وعشُّهم النجاة.

٧٤- أتُرى أنت ممن؟! أترى أنت فيمن؟! أترى أنت مع من؟! إن عزُب فهمك لكثرة أشغالك بالنهار، فأجمّ فكرك بنومة من أول الليل، ثم انتبه لعلك تنتبه ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا[المزمل: 6].

٧٥- كل عضو منك قد شيك، وتلفه قريب وشيك.

٧٦- خرجَ عمرُ لـيقتُلَ الرَّسُولٌ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلّمَ، والقدر يقول: يا من خرج ليقتل، إنما خرجت لتقبل، فانقلبت التاءُ بآءً.

٧٧- كلما لطف الفهم زاد الحظ من الخير.

٧٨- ما رأينا الفضائل إلا في خفاف الرحال لا في الثقل، ينظم الدرُّ في السلوك، وتأبى عزة الدُّرِّ نظمه في الحبل!

٧٩- ويحك، تعرف قبح ما تأتي، ثم تدعى إلى التوبة وما تأتي.

٨٠- عبدَ هواك، متى وافق القدر مُرادك رضيت، ومتى نبا عن هواك سخطت، ثم لا تقنع بسخط قلبك على الأقدارحتى ترميها بسهام الاعتراض عن قوس اللسان.

ويحك، إنما رمى نمرود بسهمٍ واحد ويدُ تسخُّطك في القوس ما تبرح، كلما نفد نشابك استقرضت. لا ترضىبما يفعله سيدك، ولا تفعل ما يرضاه، ويحكم، إنما العبد من رضي بما يفعله السيد، ويفعل ما يرضاه.

٨١- المال إذا وصل إلى الكرام عابر سبيل، وإكرام عابر السبيل تجهيزه للرحيل.

٨٢-متى تفيق من خمار الهوى؟! متى تنتبه من رقدة الغفلة؟!

٨٣-كان العاصي قتيل عشق الدنيا، فكشفت الزواجر نقاب المعشوقة، فبانت القبائح، ثم جلت المشوقات محاسنَ الأخرى، فالتفت الجِيدُ[8] إلى الجيد.

٨٤- يا مستكثرين من المعاصي، ضيقتم على أنفسكم الخناق، تنامون في سكر الغفلة، وتنتبهون على الخمار، أتظنون أن ما مضى من الخطايا قد انقضى؟! ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ[ص: 88].

٨٥- يا هذا ما لك سوى نفس واحدة، فإن ذهبت على خسران فلا وجه للتدارك، يا بخيلاً بما له، كيف هانت نفسك عليك؟! رضيت لنفسك مع فطنتك وذكائك أن تعيش عيش البهائم، نهارك لهوٌ وليلك نوم، وبين يديك الجزاء والحساب.

٨٦- أنجع[9] الألفاظ في اجتلاب الرحمة ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا[الأعراف: 23].

٨٧- أكثر الأرواح الخارجة من الدنيا هائمة في بيداء الندم، فإن اجتمعت ففي مأتم الندب، يبكيهن نائح ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي[الفجر: 24].

٨٨- رُب زلةٍ أوجبت تقويمًا.

٨٩- البدار البدار، فأطيارُ العمر في سباق.

٩٠- الدنيا بحرٌ عميق، وجسدك السفينة، وأعضاؤك خدمُ الشراع، وروحك الراكبُ، والقلبُ باني المركب، فإن عصف هواءُ الهوى فحملك إلى بلاد الروم، حملوك على النصرانية، أو ألقاك في بعض الجزائر الخراب عدمت القوت فمُتَّ، أو كسر مركبك كنت رزقًا للتماسيح، والسلامة أعزُّ من الكبريت الأحمر.

٩١-كم تُعاهد ثم تَغدر، وما تترك ذنبًا حين تَقدر.

٩٢-كيف يزاحمُ الأبطال بطّال؟!

٩٣- أين أنت والأحباب؟! أين القشور من اللباب؟! قبيحٌ أن تدخل ميدان السّباق بحمارٍ أعرج.

٩٤- ويحك، معاناة الصبر على الحِمية أيَّامًا خير من مقاساة العذاب سنين.

٩٥- علقَ شرَكُ الهوى بجناحك فكسره، فإن تحركتَ فحركة مُقعدٍ، واختلاج مذبوح، ويحكم إن المنقطع في البادية أُكلةٌ للسِّباع.

٩٦- التوبة الصادقة تقلع آثار الذنوب بماء الإقرار.

٩٧- اسلُك جادَّة الجدِّ تصل ﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ[ص: 26].

٩٨- ما دمت تمشي في حنادِس غفلتك، وظلمات هواك من غير مصباح تقوى، ما تقع على الجادّة.

99- سيف العزيمة إذا ضرب قطَّ، وما نبا[10] عن مضروب قطُّ.

١٠٠-كم مبارز بالذنوب صُرع؟ كم مسالب للخطايا سُلب؟ عزَّه ما سره، فأوقد مصباح أمله في ديار غفلته ﴿ فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ[البقرة: 17].

١٠١- ما نال أحدٌ لذّةً [11] إلا ونالته ذِلَّة.

...... ولن تُكرم النفسُ التي لا تُهِينُها.

١٠٢- يا هذا، لقد أُودِعْتَ قارورة تعلق قلبك بتسليمها سليمة ، والويل لك إن انكسرت في يديك.

١٠٣- يا هذا، قلبك يحثك على التوبة، وهواك يمنع، والحرب بينهما قائمة، ويحك، استعن بالفكر في العواقب، وقد غُلبَ الهوى.

١٠٤- يا دائمًا على الخطايا والعصيان، متى يُقال: تاب فلان؟!

١٠٥- ويح المستكثرين من الخطايا ﴿ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ[المطففين: 4]، ما كفهم نزول خيم المعاصي حتى ضربوا سرادقات الإصرار، كم رأوا مذنبًا يسرح في ميدان بيداء غفلته، ويمرح في خيلاء بطالته، إذا كفُّ الاختلاس قد جذبه إلى حفرته، فسَل به في سَلبه كيف حاله مع ذنبه؟! يتمنى لو رُدّ، ومن المُنى ألف بُدٍّ ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ [آل عمران: 13].

١٠٦- الأولياء في حَرَمِ التقوى ﴿ وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ[العنكبوت: 67].

١٠٧- كان عبد الله بن رواحة يبكي، فتقول له زوجته: كم تبكي، فيقول: أُنبئتُ أني وارد ولم أنبأ أني صادر.

١٠٨- كم تُعاتَب ولا ترعوي؟! كم تُقَوّم ولا تستوي؟! تتعلل بالتّوفيق ولا تُحرك قدمًا في طريق.

١٠٩- أين يقينك بالملكين، وأنت تملأ الصحف بقبيح ما تُملي؟!

*قال سفيان الثوري: لو كان معكم من يرفع الحديث إلى السلطان، أكنتم تتكلمون بشيء؟! قالوا: لا.

قال: فإن معكم من يرفع الحديث إلى الله.

 

١١٠-كيف يَطلب الآخرة مَن قلبه متعلق بحب الدنيا؟! أيُسلّم مفتاحُ دارٍ إلى مَن قد أسلف في أخرى؟!

١١١- ويحك، احتلْ لما ينفعك في الأخرى مثل احتيالك في طلب الدنيا، ولو قوي فهمك لمقصود الإيجاد ما غفلت لحظة.

١١٢- من فهم علم التوحيد تجرّد للواحد بقطع العلائق، وترك العُلق، أما ترى كلمتي الشهادة مجرّدة عن النقط؟!

١١٣- شمسُ المعرفة تقع على معادن القلوب، فتعمل فيها على مقدار جوهرها، ليس معدن الياقوت كمعدن الجصّ[12].

١١٤- لا تلوموا مضروبًا في أنينِه، فإن؛ سياط الوَجْد تقع على نِياط القُلوب.

١١٥- سبحان مَن أرق نسيم الأسحار، ليرفق بأجساد المحبين، يكفي ما يجري عليهم طول الليل.

١١٦- ويحك، كيف تفلح وأنت تنزعج إذا رآك مخلوق على معصية، ولا تُبالي بنظر الخالق؟!

١١٧- ويحك، انتبه لنفسك قبل أن تُسلب.

١١٨- يا معاشر التجار، بيعوا ما يفنى بشيءٍ ما له من نفاد، حلالُ الدنيا حساب، وحرامُها عقاب.

١١٩- إذا لاحت أعلام التقى، لم يبق منزل دون منزل.

١٢٠- إذا تيقنْتَ أنهم سفرٌ في طريق الوصال، فلا تتخلف عن القوم، إذا رأيت قُلُب قلوبهم تنزح بغروب الدموع فوافقهم ولو في قطرة، الزِق ما دام التنور حارًّا، اشوِ في الحريق سمكتك.

١٢١- الهوى سبُعٌ ضار، والغضبُ أسدٌ لجوج.

١٢٢- يا جنود الصبر اثبتوا ﴿ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ [الأنفال: 65] تذكروا عزة الإقدام، واحذروا هتيكة الهزيمة، إذا غلبكم عطش الهوى في نهار الشهوات، فعللوا الصائم بالسباحة، إن أثر تعب الجد في سوق[13] العزم فاستريحوا إلى ظل رخصةٍ.

١٢٣- أليس فيما رأيت معتبرُ؟! أليس فيما سمعت مزدجر؟! بلى ولكن قساوة غلبت، والقلب منها كأنه حجر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق