جواهر القران لأبي حامد الغزالي

 كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي

الاثنين، 26 يوليو 2021

الحقيقة والمجاز

 

 الحقيقة لغةً: الشّيء الثابت يقيناً

وحقيقة الشيء: خالصُهُ وكُنْهُهُ وعناصره الذّاتيّة

وحقيقة الأمر: ما كان من شأنه يقينا

وحقيقةُ الرَّجُلِ: ما يلْزَمُه حفظه والدّفاع عنه، يقالُ: فلانٌ يحمي الحقيقة.

الحقيقة: "فَعِلية" من حقَّت الفكرةُ أو الكلمةُ أو القضيّةُ أو الْمُدْرَكَةُ الذّهنيّة أو نحو ذلك تَحِقُّ حقاً وحُقُوقاً إذا صحّتْ وثبتَتْ وصدقت واستقرت، فهي على هذا بمعنى "فاعله" أي: ثابتة مستقرة صادقة.

الحقيقة اصطلاحاً: اللّفظ المستَعْمَل فيما وُضِع له في اصطلاحٍ به التخاطب.

والمراد من الوضع تَعْيِينُ اللّفظ في أصل الاصطلاح للدّلالة بنفسه على معنىً ما، دون الحاجة إلى قرينة

------------------------

-المجاز

المجاز لغة: مصدر فِعْلِ "جَازَ" يقال لغة: جاز المسافر ونحوه الطريق، وجاز به جَوْزاً وجوازاً ومجازاً، إذا سار فيه حتى قطعه.

ويطلق لفظ "المجاز" على المكان الذي اجتازه من سار فيه حتى قطعه.

ويقال: جازَ القولُ، إذا قُبِلَ وَنَفَذ. وكذا يقال: جازَ الْعَقْد وغَيْرُه، إذا نَفَذَ ومضَى على الصحّة

 


المجاز اصطلاحاً

المجاز اصطلاحاً: اللَّفظ المستعمل في غير مَا وُضِع له في اصطلاحٍ به التخاطب، على وجْهٍ يَصِحُّ ضمْن الأصول الفكرية واللّغويّة العامّة، بقرينة صارفة عن إرادة ما وُضِع له اللّفظ.

فالقرينةُ هي الصارفة عن الحقيقة إلى المجاز، إذِ اللّفظ لا يَدُلُّ على المعنى المجازيّ بنفسه دون قرينة

قلت المدون  فالمجاز إذن هو :   

1-اللَّفظ المستعمل في غير مَا وُضِع له في اصطلاحٍ به التخاطب،

2- ووجهه يَصِحُّ ضمْن الأصول الفكرية واللّغويّة العامّة، 

3- ويلزمه قرينة{دليل قاطع} صارفة عن إرادة ما وُضِع له اللّفظ.

4- ويتسم الدليل الصارف اليها بأنه 1-محكم   2-يقيني  3-ليس فيه احتمال ولا تشابه 

5-ومنسجم تماما مع نسيجه العام غير متعارض مع اتجاهه ولا غايته او نسيجه التشريعي

5- ولا يدل علي تعارض أو انتكاس مخالف للأصل كقولنا أسامة كالأسد للتدليل علي شجاعته فإذا قادنا المجاز الي عكس قضية  الشجاعة بفهم أن أسامة كالاسد في قسوته وغدره مثلا امتنع الاستدلال بالمجاز مطلقا وبطل لصيرورته كذبا 

6- اذ اننا تجاوزنا حده من التجوز الي الكذب وذلك باطلا 

7- أو كمثل استخدامه في قلب القضايا الموجبة الي سالبة او من سالبة الي موجبة فحينئذ يكون مجازا ياطلا تماما لا يصلح

8- او مثل استخدامه من طرف اصحاب التأويل في قلب قضايا نفي الايمان الي اثباته 

9- واساليب استخدام ذلك كثيرة منها الاضافة القالبة للعكس كقولهم في نص ( والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم) الي لا يؤمن ايمانا كاملا

 10- أو استخدام مصطحات واردة دخيلة من وضع المتأول مثل اقران نفي الايمان عن  المؤمن الي اثبات باستخدام مصطلح الاستحلال مثلا 

11- ووووو 
(2) 
أقسام الحقيقة والمجاز اللّغوية والشرعية والعرفية

كلُّ من الحقيقة والمجاز ينقسم إلى أربعة أقسامٍ متقابلة:

(1) الحقيقة اللّغوية، ويقابلُها، المجازُ اللّغوي.

إذا استعمل اللّفظ في مجالات الاستعمالات اللّغوية العامة بمعناه الذي وضع له في اللّغة، كان حقيقة لُغَوية.

وإذا استعمل في هذه المجالات في غير معناه الذي وُضِع له في اللّغة، لعلاقة من علاقات المجاز، كان مجازاً لغويّاً.

أمثلة:

* لفظ "أسد" إذا استعمل في المجالات المذكورة للدّلالة على الحيوان المفترس المعروف فهو حقيقة لغوية.

وإذا استعمل للدلالة به على الرجل الشجاع فهو مجاز لغويّ، وعلاقته المشابهة، فهو من نوع المجاز بالاستعارة.

* لفظ "اليد" إذا استعمل في العضو المعروف من الجسد، فهو حقيقة لغويّة.

وإذا استعمل للدلالة به على الإِنعام، أو على القوة، أو على التسبُّب في أمْرٍ ما، فهو مجاز لغوي، وعلاقتُه غَيْرُ المشابهة، فهو من نوع المجاز المرسل.

لفظ "النَّهْر" إذا اسْتُعمل في الشِّق من الأرض الذي يجري فيه الماء، فهو حقيقة لغويّة.

وإذا استعمل للدلالة به على الماء الجاري فيه، فهو مجاز لغويّ، وعلاقته غير المشابهة، وهي هنا "المحليَّة" فهو من نوع المجاز المرسل.

* وإذا قلنا مثلاً "سَالَ الوادي" فقد أسندنا السيلان إلى الوادي مع أن الوادي لا يسيل، لكن الذي يسيل هو الماء فيه، فهذا إسنادٌ مجازي علاقته المجاورة، وهو من "المجاز العقلي".

(2) الحقيقة الشرعية، ويقابلها، المجاز الشرعي.

إذا استعمل اللفظ في مجالات استعمال الألفاظ الشرعية بمعناه الاصطلاحيّ الشرعيّ كان حقيقة شرعيّة.

وإذا استعمل للدلالة به على معنىً آخر ولو كان معناه اللغوي الأصلي كان بالنسبة إلى المفهوم الاصطلاحي الشرعيّ مجازاً شرعيّاً.

أمثلة:

* لفظ "الصلاة" إذا اسْتُعْمِل في مجالات الدراسة الشرعية للدلالة به على الركن الثاني من أركان الإِسلام والنوافل الّتي على شاكلته، فهو حقيقة شرعيّة.

وإذا استعمل بمعنى الدعاء الذي هو الحقيقة اللّغوية، كان مجازاً شرعيّاً.

* لفظ "الزّكاة" إذا اسْتُعْمِل في الركن الثالث من أركان الإِسلام في مجالات الدراسة الشرعية، فهو حقيقة شرعيّة.

وإذا استعمل بمعنى النّماء والطهارة فهو مجاز شرعي.

وهكذا إلى سائر المصطلحات الشرعيّة.

(3) الحقيقة في العرف العام، ويقابلها، المجاز في العرف العام.

يراد بالعرف العامّ ما هو جار على ألسنة الناس في عُرْفٍ عامٍّ على خلاف أصل الوضع اللّغويّ.

إذا اسْتُعْمِل اللّفظ في مجالات العرف العامّ بمعناه الذي جرى عليه هذا العرف كان حقيقة عرفيّة عامّة.

وإذا استعمل للدلالة به على معنىً آخر ولو كان معناه اللّغوي الأصلي، كان بالنسبة إلى هذا العرف مجازاً عرفيّاً عامّاً.

مثل: لفظ "الدّابة" جرى إطلاقه في العرف العامّ على ما يمشي من الحيوانات على أربع، فإطلاق هذا اللّفظ ضمن العرف العام بهذا المعنى حقيقة عرفيّةٌ عامّة.

وإطلاقة ضمن أهل العرف العامّ بمعنىً آخر ولو كان معناه اللّغوي الأصليّ، وهو كلّ ما يدبّ على الأرض من ذي حياة فهو مجاز في العرف العامّ.

وكذلك إذا أطلق على ما يدبّ على الأرض من آلةٍ غير ذات حياة، ومثل هذا الإِطلاق يكون مجازاً في العرف العامّ ومجازاً لغويّاً.

(4) الحقيقة في العرف الخاصّ، ويقابلها، المجاز في العرف الخاصّ.

يراد بالْعُرف الخاصّ مصطلحات العلوم، إذْ لكلّ علْم مصطلحاتُه من الكلمات اللّغويّة ذات الدّلالات اللّغوية بحسب الأوضاع اللّغوية، وهي قد تخالف ما اصطلح عليه أصحاب العلم الخاصّ.

مثل ألفاظ: "الفاعل - المفعول به - الضمير - الحال - التمييز - البدل - وغيرها" في علم النحو.

ومثل ألفاظ: "الجمع - الطرح - الضرب - التقسيم - ونحوها" في علم الرياضيات.

فإذا استعملت هذه الألفاظ ضمن علومها على وفق مفاهيمها الاصطلاحيّة كانت حقيقة في الْعُرف الخاص.

وإذا استعملت في معاني أخرى ولو كانت معانيها اللّغوية الأصلية كانت مجازاً في العرف الخاص.

(3)

تقسيم المجاز إلى مجاز لغوي ومجاز عقلي

ينقسم المجاز في الكلام إلى قسمين:

القسم الأول: المجاز اللّغويّ، وهو الذي يكون التجوّز فيه باستعمال الألفاظ في غير معانيها اللّغوية أو بالحذف منها أو بالزّيادة أو غير ذلك، مثل:

* استعمال لفظة "الأسد" للدلالة على الإِنسان الشجاع.

* واستعمال الشراء والبيع بمعنى أخذ شيءٍ يلزم عنه ترك شيءٍ آخر.

* واستعمال "اليد" بمعنى الإِنعام، أو بمعنى القوة والسلطان.

* واستعمال "الإِصبع" وإرادة الأنملة التي هي جزء من الإِصبع.

* واستعمال عبارة "أراك تقدّم رِجْلاً وَتؤخّر أُخرى" بمعنى: أراك متردّداً.

* ومثل حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وزيادة بعض الحروف للتأكيد أو التزيين.

القسم الثاني: المجاز العقلي، وهو المجاز الذي يكون في الإِسناد بين مُسْنَدٍ ومُسْندٍ إليه.

والتجوّز في هذا القسم يكون في حركة الفكر بإسناد معنىً من المعاني مدلولٍ عليه بحقيقة أو مجاز إلى غير الموصوف به في اعتقاد المتكلّم لمُلابَسَةٍ ما تُصَحِّحُ في الذّهن هذا الإِسناد تجوّزاً، بشرط وجود قرينة صارفةٍ عن إرادة كون الإِسناد على وجه الحقيقة، مثل ما يلي:

* إسناد بناء الجسور ودوائر الحكومة ومنشآتها في الدولة إلى ملك البلاد، نظراً إلى كونه الآمِرَ ببنائها.

* وإسناد القيام إلى ليل العباد لربّه، وإسناد الصيام إلى نهاره، مع أنّ الإِسناد الحقيقي يقتضي أن يُسْنَد القيام والصيام إلى شخص العابد.

* وإسناد حُسْن التأليف والتصنيف إلى قلم الكاتب، مع أنّ القلب لا يُحْسِن تأليفاً ولا تصنيفاً، إنّما يُحْسِنُها الكاتب به البارع.

* وجعل المأكول في الرَّعْيِ الغيثَ النازل من السماء، مع أنّ المأكولَ هو الزرع الذي نبت في الأرض بسبب الغيث.



(4)

تقسيم المجاز إلى مجاز في المفرد ومجاز في المركب ومجاز في الإِسناد ومجاز قائم على التوسّع في اللّغة دون ضابط معين

ينقسم المجاز إلى الأقسام الأربعة التالية:

القسم الأول: "المجاز في المفرد" وهو اللّفظ المفرد المستعمل في غير ما وضع له، كالأسد في الرجل الشجاع، وكاليد بمعنى الإِنعام.

القسم الثاني: "المجاز في المركب" وهو اللفظ المركّب المستعمل بهيئته المركبة في غير المعنى الذي وضع له، لعلاقة ما، مع قرينة صارفة عن إرادة المعنى الأصلي، مثل:

* أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر أخرى، أي: حالك كحال المتردّد.

* أنت تنفخ في رماد، أي: حالُكَ كحال من ينفخ في رماد، في ضياع الجهد.

ومثل:

* استعمال الْجُمَل الخبريّة بمعنى الإِنشاء.

* استعمال الجمل الإِنشائية بمعنى الخبر.

القسم الثالث: "المجاز في الإِسناد" وهو المجاز العقلي الذي يُسْنَد فيه الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له في اعتقاد المتكلم، مثل:

* سالَ الوادي، بإسناد السيلان إلى الوادي، مع أنّ الذي سال هو الماء فيه، والعلاقة المجاورة.

القسم الرابع: "المجاز القائم على التوسّع في اللّغة دون ضابط معين" وهو المجاز الذي يكون التوسُّع اللُغويُّ فيه بوجوه مختلفة لا يجمعها ضابط معين، كالزيادة أو الحذف في بعض الكلام، وكإطلاق الماضي على المستقبل والعكس، مثل:

* حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، نحو: اسأل القرية، أي: اسأل أهل القرية.

* زيادة حروف في ضمن الكلام للتأكيد أو للتزيين، نحو: لفظ "ما" بعد "إذا".

(5)

تقسيم المجاز اللّغوي إلى استعارة ومجاز مرسل

ينقسم المجاز اللغوي بالنظر إلى وجود علاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازي، أو بين الاستعمال الأصلي والاستعمال المجازي، أو عدم ملاحظة علاقة ما، بل هو مجرّد توسّع لغوي، إلى قسمين:

القسم الأول: "الاستعارة" وهي المجاز الذي تكون علاقته المشابهة بين المعنى الأصليّ والمعنى المجازي الذي استعمل اللّفظ للدّلالة به عليه.

وهذه الاستعارة تكون في المفرد، وتكون في المركب كما سيأتي إن شاء الله.

القسم الثاني: "المجاز المرسل" وهو نوعان:

* نوعٌ توُجَدُ فيه علاقة غير المشابهة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي الذي استعمل اللّفظ للدّلالة به عليه، كاستعمال "اليد" بمعنى النعمة لعلاقة كون اليد هي الوسيلة التي تستعمل عادة في عطاء الإِنعامات، وكإسناد الفعل أو ما في معناه لغير ما هو له.

* ونَوْعٌ لا توجد فيه علاقة فكريَّةٌ ما، وإنّما كان مجرّد توسُّع لغوي، كالمجاز بالحذف دون ملاحظة علاقة فكرية، وكالمجاز بالزيادة، وغير ذلك.

وسُمِّيَ هذا "مجازاً مُرْسَلاً" لكونه مُرْسلاً عن التقييد بعلاقة المشابهة، سواء أكان له علاقة غير المشابهة، أمْ لم تكن له علاقة ما.

(6) فنُّ المجاز ودواعيه وأغراضه

المجاز طريق من طُرُق الإِبداع البيانيّ في كلِّ اللّغات، تدفع إليه الفطرة الإِنسانيّة المزوّدة بالقدرة على البيان، واستخدامِ الحِيَل المختلفة للتعبير عمّا في النفس من معانٍ تُرِيدُ التَّعْبيرَ عنها.

وقد استخدمه الناطق العربيّ في عصوره المختلفة، في حواضره وبواديه استخداماً بارعاً وواسعاً جدّاً، حتَّى بلغت اللّغة العربيّة في مجازاتها مبلغاً مثيراً للإِعجاب بعبقريّة الناطقين بها في العصور الجاهليّة، وفي العصور الإِسلاميّة، وكان لفحول الشعراء، وأساطين البلغاء، من كُتَّابٍ وخطباء، أفانينُ بديعة، عجيبة ومُعْجِبة من المجاز، لا يَتَصَيَّدُها إلاَّ الأذكياء والفطناء، المتمرّسون بأساليب التعبير غير المباشر عن أغراضهم.

وليس المجاز مُجَرَّد تلاعُبٍ بالكلام في قفزاتٍ اعتباطيّة منْ استعمال كلمة أو عبارةٍ موضوعةٍ لمعنىً، إلى استعمال الكلمة أو العبارة بمعنى كلمة أو عبارةٍ أخرى موضوعة لمعنىً آخر، ووضع هذه بدل هذه للدّلالة بها على معنَى اللّفظ المتروكِ المستَبْدَلِ به اللفظ الآخر.

بل المجازُ حركاتٌ ذهنيّة تَصِلُ بين المعاني، وتعقِدُ بينها روابطَ وعلاقاتٍ فكريّةً تسمح للمعبّر الذكِيّ اللّمّاح بأن يستخدم العبارة الّتي تدلُّ في اصطلاح التخاطب على معنىً من المعاني ليُدلَّ بها على معنىً آخر، يمكن أن يفهمه المتلَقِّي بالقرينة اللفظيّة أو الحاليّة، أو الفكريّة البحت.

* إنّه مثلاً قد يلاحظ انقطاع الصلة بين فئة من الناس وفئة أخرى، أو قومٍ وقوم آخرين، لعداوة قائمة بينهما، ويرى إصْرار كلٍّ من الفريقين على موقفه العدائي، ومجافاة الفريق الآخر، وعدم التلاقي به أو التعامل معه، فَيَلْمَحُ أنّ هذا الأمر بين الفريقين يشبه جبَلَيْنِ يفصل بينهما وادٍ سحيق ليس له قرار، ويلْمَح أنّ إقامة الصِّلاتِ بينهما متعذّرٌ أو متعسّر جدّاً ما دام هذا الفاصل السحيق بينهما، فيخطرُ له أن يتخذ وسطاء مقبولين، من كلٍّ من الفريقين، ليقوم هؤلاء الوسطاء بنقل المصالح والحاجات بينهما.

ويَلْمح أن هؤلاء الوسطاء سيكونون بمثابة الجسور التي تُبْنَى فوق الوادي، ويكون أحد طرفيها على هذا الجبل، والطرف الآخر على الجبل الآخر، وعندئذٍ لا يحتاج المجتازُ أن يَعْبُرَ الوادي السحيق المتعذّر العبور أو العسير جدّاً.

حيت تكتمل لديه الصورة على الوجه الذي سبق تفصيله يختصر في التعبير فيقول: "نقيم بين الفريقين المتعادِيَيْن جُسُورَ التواصل".

إنّه يستخدم كلمة "جسور" استخداماً مجازيّاً، يدركه المتلقّي بالتفكّر، لأنّ الفئات المتخاصمة المتجافية لا تُقام بينهما جسورٌ مادّيّة، بل يقوم الوسطاء بينها بحلّ كثير من المشكلات بينها.

وتدلُّ كلمة "جسور" على صورة ذات عناصر كثيرة، وكلُّ من هذه العناصر ذو دلالة خاصة، وأبعادٍ فكريَّة متشعبة.

ولا يصعُبُ على من يَعْتَاد مثلَ هذه التعبيرات أن يُدْرِكَ أنَّ صاحب العبارة قد شَبَّه حالة الفريقين المتجافيين بحال مُرْتَفِعَيْنِ من الأرض بينهما فاصلٌ يتعذّر أو يعْسُر جدّاً اجتيازه إلاَّ بمجازٍ يُقَامُ بينهما، وهو الجسْرُ الذي يمتَدُّ فوق الوادي، ويكون أحد طرفيه على هذا المرتَفع، والطرف الآخر على المرتَفع الآخر.

* ويتكرّر مثلاً على ألسنة الناس استعمال عبارات: "أهل البلد - أهل القرية - أهل المدينة - أهل الدار" في جُمَل لا يَصْلُح فيها إلاَّ إرادة الأهل.

ثم يلاحظون أنَّه لا داعيَ لذكر كلمة "أهل" في هذه العبارات وأمثالها، لأنَّ المتلَقِّي لا يختلط عليه الأمر، فيختصرون في العبارة فيقولن مثلاً:

"اسأل قرية كذا - أطْعِمْ هذه الدار - عاقب المدينة الظالمة - كرّم البلد الآمن" على تقدير مضاف محذوف هو كلمة "أهل".

فيتجوَّزون في التعبير بداعي الاختصار والإِيجاز في الكلام، مع ملاحظة معاني بلاغية أخرى، كالإِشعار بأنّ كلَّ أهل المدينة يستحقُّون المعاقبة، وكلّ أهل البلد الآمن يستحقّون التكريم.

وهكذا يحمل المجاز في العبارة من المعاني الممتدة الواسعة، ومن الإِبداع الفني ذي الجمال الْمُعْجِب، ما لا يؤدّيه البيان الكلامي إذا اسْتُعْمِل على وجه الحقيقة في كثيرٍ من الأحيان.

مع ما في المجاز من اختصارٍ في العبارة وإيجاز، وإمتاعٍ للأذهان، وإرضاءٍ للنفوس ذوات الأذواق الرفيعة الّتي تتحسَّن مواطن الجمال البياني فَتَتَأَثَّرُ به تَأثُّرَ إعجاب واستحسان.

ودواعي المجاز وأغراضه يمكن ذكر أهمها فيما يلي:

أولاً: أنّ المجاز في الكلام هو من أساليب التعبير غير المباشر، الذي يكون في معظم الأحيان أوقع في النُّفوس وأكثر تأثيراً من التعبير المباشر.

ثانياً: يشتمل المجاز غالباً على مبالغة في التعبير لا تُوجد في الحقيقة، والمبالغة ذات دواعي بَلاغيّة متعدّدة، منها: "التأكيد - التوضيح - الإِمتاع بالجمال - الترغيب عن طريق التزيين والتحسين - التنفير عن طريق التشويه والتقبيح -"إلى غير ذلك.

ثالثاً: يُتِيحُ استخدام المجاز فرصاً كثيرة لابتكار صورة جمالية بيانيّة لا يُتِيحُهَا استعمال الحقيقة، فمعظم أمثلة التصوير الفني الرائع مشحونةٌ بالمجاز.

رابعاً: استخدام المجاز يُمَكِّنُ المتكلّم من بالغ الإِيجاز مع الوفاء بالمراد ووفرة إضافيّة من المعاني والصّور البديعة.

خامساً: المجاز بالاستعارة أبلغ من التشبيه، فما سبق بيانه في دواعي التشبيه وأغراضه موجود في الاستعارة مع أمور أخرى لا تُوجَدُ في التشبيه
سادساً: المجاز المرسل أبلغ من استعمال الحقيقة في كثير من الأحيان إذا كان حالُ مُتَلَقِّي البيان ممّن يلائمهم استخدام المجاز، ويشدُّ انتباههم لتدبُّرِ المضمون وفهمه.

إلى غير ذلك من دواعي وأغراض تتفتّق عنها أذهان أذكياء البلغاء.  

يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل

 خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه 
قال ابن القيم: فلذلك لا تصح التوبة إلا بعد معرفة الذنب، والاعتراف به، وطلب التخلص من سوء عواقبه أولا وآخرا.
فمثلا عندما أعصي الله يأتيني شيء يقول لي إنك تفضل المعصية على الله وطاعته، أو أنك جعلتها ندا لله، وذلك لأنني أكون سعيدا بالمعصية، ثم أتذكر الله ومراقبته، وأحس أن قلبي يبغض ذلك ويفضل المعصية، ثم أحقق مع نفسي وتتتابع الاتهامات بيني وبين نفسي. كذلك عندما يقول لي أبي اذهب واشتر لي الدخان، أتذكر الله، ولكني أعتذر لله وأقول له: لا أريد أن أتخذ إلهي هواي، ولا أن أجعل لك ندا، بل أنا لا يوجد عندي جرأة أن أقول لأبي لا، ولا أحب أن أدخل معه في نقاشات. فهناك كثير من الناس يمر معهم هذا، فهل عندما أقول كما علم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه يذهب عني الشرك كجعل الأنداد لله واتخاذ الهوى إلها من دون الله.{ قلت المون يريد ابن القيم أن يقول أن الدافع لأي معصية هو الشرك بعينه لأنه لا يخلو أن يكون طاعة لله أو لغير الله فإن كان لغير الله فهو الشرك بعينة وهو المقصود بقوله تعالي إن الله لا يغفر أن يشرك به وضل من قال شركا أصغر أو شركا أكبر فالشرك كله ملة واحدة  بشرط العلم والتعمد 

 وحنذاك يكون ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء هو التوبة من هذا العصيان الذي دفع اليه هوي النفس أو الشيطان أو النفس ذاتها وهكذا يريد القول بأن المعاصي كلها إشراك بالله عندما يتوفر فيها العلم والتعمد وانعدام الاكراه او الاضطرار } } 

ولكنه لا يحكم في الظاهر  به كمشرك لان التوبة معروضة للمؤمن  ثم يقول :

وماذا عن الأمور المماثلة التي عملتها ونسيتها أو عملتها وأنا في شك من أمري هل قصدت أم لا؟ ولا سيما أن ابن القيم قال كما في أعلاه لا تصح التوبة إلا بعد معرفة الذنب والاعتراف به، فكيف أعرف وأعترف بذنب عظيم كتلك التي ذكرتها في حالة نسيان هذا العمل أو الشك أني عملته، فإذا قلت كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم هل يذهب عني ذلك كأني تبت من التي نسيتها وأشك أني عملتها. كذلك هل ينطبق ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم على كل ذنب عظيم اقترفه الإنسان كمن كفر ونسي أو شك بكفره، وقال اللهم إني أعوذ بك أن أكفر بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم. فهل هذا يعتبر توبة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمراد بالشرك الخفي الذي هو أخفى من دبيب النمل كالرياء، وما يكون من حلف الرجل بغير الله، أو قوله لولا الله وفلان ونحو ذلك،
والشرك فاحذره فشرك ظاهر وهو اتخاذ الند للرحمن.
يدعوه أو يرجوه ثم يخافه ذا القسم ليس بقابل الغفران
.
وقال شيخ الإسلام في شرح العمدة: قال صلى الله عليه وسلم: الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل وفسره بالرياء. كما جاء في الحديث : " من حلف بغير الله فقد أشرك " وفي الحديث : " الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل "
وسمي الرياء : شركا . وتأول ابن عباس على ذلك قوله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُون [ يوسف : 106 ] قال : إن أحدهم يشرك حتى يشرك بكلبه : لولا الكلب لسرقنا الليلة ، قال تعالى : ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ( [ الكهف : 110 ] .
وقد روي أنها نزلت في الرياء في العمل . وقيل للحسن : يشرك بالله ؟ قال : لا ؛ ولكن أشرك بذلك العمل عملا يريد به الله والناس ، فذلك يرد عليه . انتهى / والله أعلم.
قلت المدون
يقول الله تعالي في الآية  { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)/سورة انساء} يعني لا يغفر أن يُعصي طاعة لغيره فالمعاصي ومنها الشرك قد يطاع بها الشيطان او النفس او الهوي من دون الله فحينئذ يتحقق الشرك لكن هذا الشرك يتحول الي الكفران الظاهري اذا جاهر به فاعله جهار المرتدين  ودون ذلك فهو مُقبل في آخرته علي الاشراك الفعلي ان لم يتب منه قبل موته  واصر عليه 
وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)
/
وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)/سورة الانعام
/
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)/يونس
فهناك فهمان للاية لا ثالث لهما :::  
الاول في مفهوم النفي نفي المغفرة مطلقا من عبر مقيدات يفهم علي ان من يشرك به فلا يغفر له أبدا لمجرد ان يشرك به
في هذا المدلول معارضة كبيرة تحيل الواقع الي مستحيل لان بفهمه هكذا فإن من اشرك مرة اغلقت في وجهه كل ابواب المغفرة وابد الدهر وهو متعارض مع أن الله تواب علي من تاب ويغفر لعباده الذين أسرفوا علي انفسهم لدرجة القنوت من رحمة الله كل ذنوبهم شاملة الشرك به لو تابوا فلا يقنطوا
والثاني يفهم المعني في ضوء ايات المغفرة بحيث من تاب حتي من الشرك يتوب الله عليه ومن لم يتب لا يغفر الله وفي هذا المدلول يتصف بالتي
1=
كونه هو الحق 2= هو المطابق لطبيعة البشر 3= هو المطابق لمسلمات النقل والعقل والواقع فالنقل لان الله تعالي قال ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون والعقل لأن من مسلماته المستقرة ان الانسان يقوم وينام وينسي ويتذكر ويصيب ويحطئ ولا حدود للخطأ عنده ويجري عليه الشيئ ونقبضه والسبيل الوحيد للرجوع هو التوبة عن اخطائه والشرك نوع من هذه الذنوب والمخالفات و الاخطاء والله هو من خلقه علي هذه الفطرة فيستحيل ان نفترض أنه سبحانه يجزي من يشرك بالله بعدم الغفران حينما يستغفره خاصة وهو جل جلاله القائل {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)/الزمر } والشرك ذنب مثل الذنوب اذا تاب العبد منه يغفره الله بمقتضي توبته بقي المفهم هذا وهو الحق ولو أذنب العبد كل مرة ثم يسيغفر الله لوجد الله توابا رحيما
لا يغفر نفي المغفرة عمن يشرك به ويشرك به تعني احد احتمالين الأول منهما هو طاعة غيره سبحانه ولو بقدر مثقال الذرة ويكون الاشراك به هنا غير محصور في شكل معين بل قد يصل إلي شيئ خفي لا يراه الذي يأتيه مثل الرياء والعجب وكثير من ذلك
إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكن قد رضي بما تحقرون من أعمالكم ))
[
رواه أحمد عن أبي هريرة وأصله في صحيح مسلم]
أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ خطبَ النَّاسَ في حَجَّةِ الوداعِ فقالَ إنَّ الشَّيطانَ قَد يَئسَ أن يُعبَدَ بأرضِكُم ولكنْ رضِيَ أن يطاعَ فيما سِوى ذلكَ مما تَحاقَرون من أعمالِكُم فاحذَروا إنِّي قد ترَكْتُ فيكم ما إنِ اعتصمتُمْ بِهِ فلن تضلُّوا أبدًا كتابَ اللَّهِ وسنَّةَ نبيِّهِ
إنَّ الشيطانَ قد يَئِسَ أن يُعبَدَ بأرضِكم ، و لكن رضِيَ أن يُطاعَ فيما سِوى ذلك مما تُحاقِرون من أعمالِكم ، فاحْذَروا ، إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبدًا ، كتابَ اللهِ ، و سُنَّةَ نبيِّه
مرَّ عليَّ حديث بهذا اللفظ فما صحته؟ عن ابن مسعود رضي الله عنه إنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ”أيس الشيطان أن يعبد الناس الأصنام في جزيرة العرب
إنَّ الشيطانَ قد يَئِسَ أن يُعبَدَ بأرضِكم ، و لكن رضِيَ أن يُطاعَ فيما سِوى ذلك مما تُحاقِرون من أعمالِكم ، فاحْذَروا ، إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبدًا ، كتابَ اللهِ ، و سُنَّةَ نبيِّه
رواه عبدالله بن عباس ، نقله الألباني في صحيح الترغيب وحكم عنه بأنه : صحيح
الحكم على حديث: ( الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل...)
السؤال: السائل (س) رمز لاسمه بهذا الرمز من مكة المكرمة يقول: قال رسول الله : الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، قالوا: كيف ننجو منه يا رسول الله؟! قال: قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم هل هذا الحديث صحيح؟ ومتى نقول هذا الدعاء؟
-01:19
الجواب:{ابن باز} لا أعلم به بأساً سنده لا أعلم به علة، وهذا من فضل الله جل وعلا، فإذا خاف الإنسان أن يقع في هذا الشيء يقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم الإنسان قد يقع في الرياء، يصلي يرائي، أو يقرأ يرائي، أو يأمر بالمعروف، أو يدعو إلى الله يرائي قد يقع وهذا من الشرك الأصغر، فهذا دواؤه التوبة إلى الله، ومن دوائه التعوذ بالله أن يقع فيه الإنسان، فيقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم .
ومن الشرك الأصغر أيضاً: ما شاء الله وشاء فلان .. لولا الله وفلان .. هذا من الله ومن فلان، والصواب: أن يقول: من الله ثم من فلان .. لولا الله ثم فلان، نعم
.
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه. في الفتوى رقم: 125373 قال ابن القيم: فلذلك لا تصح التوبة إلا بعد معرفة الذنب، والاعتراف به، وطلب التخلص من سوء عواقبه أولا وآخرا. هل قصد صلى الله عليه وسلم أنواع الشرك الأصغر والأكبر بالحديث؟ فمثلا عندما أعصي الله يأتيني شيء يقول لي إنك تفضل المعصية على الله وطاعته، أو أنك جعلتها ندا لله، وذلك لأنني أكون سعيدا بالمعصية، ثم أتذكر الله ومراقبته، وأحس أن قلبي يبغض ذلك ويفضل المعصية، ثم أحقق مع نفسي وتتتابع الاتهامات بيني وبين نفسي. كذلك عندما يقول لي أبي اذهب واشتر لي الدخان، أتذكر الله، ولكني أعتذر لله وأقول له: لا أريد أن أتخذ إلهي هواي، ولا أن أجعل لك ندا، بل أنا لا يوجد عندي جرأة أن أقول لأبي لا، ولا أحب أن أدخل معه في نقاشات. فهناك كثير من الناس يمر معهم هذا، فهل عندما أقول كما علم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه يذهب عني الشرك كجعل الأنداد لله واتخاذ الهوى إلها من دون الله. وماذا عن الأمور المماثلة التي عملتها ونسيتها أو عملتها وأنا في شك من أمري هل قصدت أم لا؟ ولا سيما أن ابن القيم قال كما في أعلاه لا تصح التوبة إلا بعد معرفة الذنب والاعتراف به، فكيف أعرف وأعترف بذنب عظيم كتلك التي ذكرتها في حالة نسيان هذا العمل أو الشك أني عملته، فإذا قلت كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم هل يذهب عني ذلك كأني تبت من التي نسيتها وأشك أني عملتها. كذلك هل ينطبق ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم على كل ذنب عظيم اقترفه الإنسان كمن كفر ونسي أو شك بكفره، وقال اللهم إني أعوذ بك أن أكفر بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم. فهل هذا يعتبر توبة.
إن الله جل جلاله
ويغفر ما دون ذلك
أن يشرك به
لمن يشاء
إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)
وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)
الفقه الخالص
الخميس، 24 ديسمبر 2020
كيف يقول الله تعالي: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ..... وفي آية أخري يقول تعالي (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا /سورة الجن)
كيف يقول الله تعالي إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وفي آية أخري يقول تعالي( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا /سورة الجن)
كيف يقول الله تعالي:
(
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ..... وفي آية أخري يقول تعالي (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا /سورة الجن)
2.
بل كيف يقول سبحانه (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء..
وهو الذي قال جل شأنه (...لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا)
والشرك ذنب من الذنوب
3.
وعلينا لتحديد قصد الباري جل وعلا من الآية أولا بأن نستعرض تواريخ نزول هذه الآيات مجمعةً
..........................................
https://www.blogger.com/img/img-grey-rectangle.png
1.(
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)/سورة النساء /48)

2.(
وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116) إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)/سورة النساء)
وسورة النساء نزلت بعد سورة الممتحنة بترتيب
سورة الممتحنة/سورة النساء/سورة الزلزلة
وسورة محمد نزلت بعد سورة النساء، وفيها أن الافساد في الارض وتقطيع الأرحام معاصي وذنوب هي بتقسيمة الآية من منظور أصحاب التأويل ليست هي الشرك المقصود في خاطر المأولين ولو كان صحيحا أن الشرك لا يفغر وما دون الشرك يغفر لنصت آيات سورة محمد علي المغفرة وليس اللعن أي الطرد أبدا من رحمة الله وهذا يدل قطعا علي خطأ تصور المتأولين ونظرتهم لتفسير الآية علي النحو المعروف عندهم
ففي سورة محمد بيان محكم لا ظن فيه ولا ريبة أن الإفساد في الأرض مستحق للعن واللعن معناه الطرد أبدا من رحمة الله وهذا الإفساد في الأرض بتقسيم الآية في ناظر المتأولين معصية ليست داخلة تحت الشرك بالله يعني بتقسينهم مغفورة لأنها دون الشرك من وجهة نظرهم
قال تعالي(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {22} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {23} أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا {24}/سورة محمد
فأين نضع ونصنف الإفساد في الأرض ؟؟
فإن قالوا ليس مع الشرك بالله فقد أخطأوا لأن مسار الإفساد في الأرض ينتهي إلي اللعن أي الطرد أبدا من رحمة الله فخالفوا قاعدتهم التأويلية بأن ما دون الشرك من وجة نظرهم مغفور والإفساد في الأرض ليس من وجهة نظرهم من الشرك
وإن قالوا هو من الشرك فقد وسعوا أسوار المعاصي ليشمل مدلولها الشرك بالله ونقضوا بذلك قاعدتهم التي يقولون بها أن ما دون الشرك في خاطرهم ووجة نظرهم مغفورا
وهكذا في كل المعاصي الكفر والانتحار والمخالفات المتعمدة التي انضوت عقوباتها تحت قول الله تعالي( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) /سورة الجن) ....... والتي أخرجوها من تحت لفظ الشرك في الآية (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)/سورة النساء) وقطعوا باطلا بأنها مغفورة حسب منظورهم القاصر للآيات
ونزيد الأمر تفصيلا فنقول:
وسورة النساء نزلت بعد نزول سورة الممتحنة وقبل سورة الزلزلة
سورة الممتحنة/سورة النساء/سورة الزلزلة
سورة البقرة/سورة الأنفال/سورة آل عمران/سورة الأحزاب/سورة الممتحنة/سورة النساء/سورة الزلزلة/سورة الحديد/و سورة محمد / التي قال الله تعالي فيها { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ {21} فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {23} أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا {24}/سورة محمد
[
قلت المدون وسورة محمد نزلت بعد سورة النساء بزمان، فالافساد في الارض وتقطيع الأرحام معاصي وذنوب هي بتقسيمة الآية من منظور أصحاب التأويل ليست هي الشرك المقصود في خاطر المتأولين ولو كان صحيحا أن الشرك بمفهومهم لا يغفر وما دون الشرك يغفر لنصت آيات سورة محمد في شأن المفسدين في الأرض علي المغفرة وليس اللعن أي الطرد أبدا من رحمة الله وهذا يدل قطعا علي خطأ تصور المتأولين ونظرتهم لتفسير الآية علي النحو المعروف عندهم
وسورة محمد نزلت بعد سورة النساء بسورتين يعني: /النساء / ثم /الزلزلة/ ثم /الحديد/ ثم /سورة محمد/] وبذلك فاللجوء إلي دعوي النسخ بين آيات سورة النساء في عدم مغفرة الشرك ومغفرة ما دون الشرك هي دعوي لم تثبت بل يجب الأخذ بكل دلالات المعاصي كشرك وكذنوب دون الشرك
وإذن ما هي مخارج التفسير الحق لهذه الآيات ؟؟
سنذكرها بمشيئة الله بعد عدة أسطر
قلت المدون كما أن عدم طاعة الله وطاعة رسوله ليست حسب مفهوم المتأولين من الشرك بل هي في ناظرهم مما دون ذلك ومع هذا فقد جعل الله جزاءها هو إحباط الله لأعمالهم بإعراضهم عن الطاعة وتبين أن تصور المتأولين لهذا الفهم تصورا باطلا
قال تعالي(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {33} إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ {34}/سورة محمد